تعامل مع القرآن حبا بالقلب والروح والجوارح ممتزجا به,وتعامل معه دراسة بالعقل والتحليل والتفكير
فـأفاض عليه المولى عز وجل بالعلم الوفير وأبى هو أن يكتنزه لذاته فأفاض علينا مما أكرمه الله به
وهذه هى صفة العلماء المحبين لله, فكانت كتبه وحوارته ودروسه ومن بينها هذا الكتاب القيم الذى
بين أيدينا والذى لنا أن نصفه بأنه كتاب قديم حديث يقودنا من خلال القضايا المنطقيه والفلسفيه إلى
أن نصل إلى كيف أن إسلامنا الدين الخاتم هو دين لكل زمان ومكان وهو أيضا منهاج حياه فالإسلام
دائما حداثه وحضاره...وفى ذكرى الإمام فى شهر يونيه أعرض هذا الكتاب نفعنا الله به جميعا
أولا :الإسلام كعقيده ومنهاج
القضيه الأساسيه فى الوجود أن يحكم الإنسان حركته فى الحياه بنسبه يقينية ,فما هى النسبه اليقينيه؟
النسبه اليقينيه هى واحده من النسب الست التى تتحكم فى حقائق الوجود وهذه النسب لاتخرج عن كونها
أمر وهمى أوظنى,شك,جهل,تقليد والنسبه اليقينيه هى التى تسودهم جميعا.فكل لفظ فى اللغه يدل على
معناه فقط وفق ما يفهمه العقل ولايدل على نسبه ولكن حين نضع الألفاظ منضمه الى بعضها البعض فهنا
توجد النسبه ,أى أننا حكمنا على شئ بشئ آخر فمثلا:لفظ الأرض يدل على معنى الأرض وكذلك لفظ
الكره يدل على معنى الكره أما حينما نقول الأرض كروية فهنا وجدت النسبه إذ حكمنا على الأرض بأنها
كروية فأصبح هناك محكوم عليه ومحكوم به فإذا كانت هذه النسبه نسبه علميه يقينيه فكل حركه تبنى عليها
تأتى بخير وكل نسبه لاتدخل فى إطار اليقين فمجهودها ضائع ولاخير فيها ومن يعملون على هذه النسب غير
اليقينيه ويتوهمونها يقينا فهم هنا يعملون على وهم والنتيجه مجهود ضائع وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا
فإذا وصلنا الى ان النسبه اليقينيه هى العلم الذى قال عنه العلماء أنه هو ظفر الفكر بنسبه كانت مجهوله
له بشرط أن تكون هذه النسبه مجزوما بها ويترتب عليها أنها واقع ويقام عليها الدليل ,إذا فهذه النسبه
هى العلم اليقينى الذى يسود كل النسب التى لاتخرج عنها حقائق الوجود.فماذا عن بقية النسب؟
اذاكانت هناك نسبه تفتقد الى الشرط الثالث اى أنها نسبه مجزوما بها وواقعه لكن لايمكن إقامة الدليل
عليها هنا يصبح الأمر تقليد فمثلا :يجزم الصبى بأن (الله أحد)هذه نسبه يجزم بها وهى واقعه لكنه لا
يستطيع إثبات الدليل عليها هنا هو مقلد لأباه لكن عندما يكبر ويستطيع إثبات الدليل عليها هنا أصبح لديه
علم يقينى
واذا فقدت النسبه الشرط الثانى اى أنها قضيه يجزم بها وهى غير واقعه هنا تصبح النسبه جهلا إذ أن
الجاهل هو ما لديه نسبه يجزم بها ولكنهاليست واقعه فهو يجزم بقضايا على إنها حقائق وهى باطله لأنها
غير واقعه,وهنا تكمن الآفه, فالجهل ذهن مشغول بباطل ولكى تجادله يجب ان تخرج منه هذا الباطل اولا
ثم تضع النسبه المجزوم بها والواقعه وهذا غير الأميه التى هى ذهن خال تماما تضع فيه ما تشاء
اما اذا فقدت النسبه اساسا الشرط الأول اى أنها غير مجزوم بها هنا تساوى الطرفان فهذا هو الشك
فان رجحت شيئاعلى شيئ فهو الظن
اما الوهم فهو ترجيح المرجوح
هنا ووفق هذا السلم التدريجى فالموضوع النسبى اذا تعلق بأمر حسى مشهدى يمكن إثباته بالتجربه الحيه فيمكن
الحكم عليه بأنه علم يقينى من خلال التجربه التى لاتختلف نتيجتها من عالم لآخرأيا كانت انتمائاته الفكريه اما
النسبه اذا تعلقت بأمر غيبى لاتحكمه التجربه وخاماته ليست الماده ولإثبات اليقين فيه يجب ان يكون العالم عالما
بكل الجزيئات التى يقنن لها هنا الأمر لايتوفر لبشر على الإطلاق لأن علم البشر محدود ويحكمه الهوى,,إذا لابد
البحث عن مصدرنأخذ منه القيم الغيبيه مصدر علمه غير محدود ولايحكمه الهوى هذا من جانب ومن جانب آخر
فكل حركه فى الحياه لابد لها من هدف والا كانت حركه عشوائيه كما ان كل هدف فى الحياه هو وسيله لهدف
أعلى والأهداف غايتها إسعاد الإنسان ,والإنسان هو الذى يحدد هدفه, أهو هدف وقتى أم هو هدف طويل الأمد
وهذا سيأخذنا الى ماهو دينى وما هو غير دينى فالدينى يعتبر هذه الحياه وسيله الى حياه أرقى فيها نعيم مقيم
أما غير الدينى فيرى هذه الدنيا هى الغايه ويفعل فيها ما يشاء .ووفقا لتحديد الهدف تكون الحركه فى الحياه فاذا
كان الهدف امر يقينى موثوق به كانت الحركه التى تسعى اليه حركه مطمئنه .هنا اذا نظرنا الى الاسلام كعقيده
وكدين جاء بلاغا عن الله فهو يقتضى مسلما اليه ومسلما به ,فالمسلم هو من أسلم قياده لمن يثق فيه أنه أجدر
منه على قيادة حركه حياته ولكن ليست حياته كلها على الإطلاق ولكن حركه الحياه التى بها مجال الإختيار المقيده
بإفعل ولاتفعل وبين الأمر والنهى ترك لك المباح الذى ترك لك حرية فعله او عدم فعله فى إطار لاضررولاضرار
ولكى تسلم قيادك اليه يجب الإقتناع بأنه أقدر منك فى إدارة حركة حياتك وان الفائده عائده اليك انت,وانه فى
تقييد حركتك لايحجر عليك بل يحدد حركه فرد ليضمن حرية مجتمع.اذا فمن تسلم قيادك اليه لايجب ان يكون بشر
بمحدودية علم البشر بل يجب ان يكون خالق البشر ,وحتى اذا اسلمت قيادك جدلا الى بشر وهو اسلم قياده الى
غيره وهكذا الى ان نصل الى الإنسان الأول الذى أسلم قياده الى خالقه والذى حدد له منهاج الحياه
هكذا يسير بنا شيخنا الجليل فى رحله فلسفيه عميقه وبسيطه فى آن واحد لكى نصل خطوه خطوه الى الاسلام
كعقيده ومنهاج فماذا عن العقل كوسيله من وسائل الإدراك؟ هذا ما سنعرفه فى الجزء الثانى من الكتاب
ان شاء الله