النشأة: في المخيم
في وسط مخيم البريج في قطاع غزة الذي تقطنه أغلبية ساحقة من اللاجئين، عاشت أسرة الشهيد محمد الدرة التي تعود في أصلها إلى مدينة الرملة، والتي احتلت وطرد أهلها منها عام 1948، وهي مكونة من أبيه وأمه وستة من الأبناء سواه ،وتعيش الأسرة في بيت متواضع فارغ من كل شيء عدا البؤس والحرمان كما بقية البيوت في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في كل مكان، استقبلتنا فيه سيدة في الثلاثينيات من عمرها تتشح بسواد لا يختلف عن ذلك الذي اكتنف المخيم بأكمله.. كانت عيناها داميتين ووجهها المغسول بالدموع يقص حكاية لاجئ ما زال يعيش نكبة تلو نكبة.. كانت تحتضن كتبًا مدرسية لطالب في الصف الخامس الابتدائي وتقول لنسوة أخريات كن يساعدنها في الوقوف على ساقيها المثقلتين: "طلب مني أن أساعده في حل أسئلة المدرسة، وغادر إلى أبيه لشراء السيارة بعد أن ألبسته ملابس تناسب السيارة الجديدة".
الطفل المشاكس
كان من المعروف أن محمدًا من الأولاد الأشقياء الذين يحبون بل يعشقون اللعب والبحر، "وكان دائمًا يحب الذهاب معي إلى البحر، وكان شجاعًا وجريئًا، ولا يعرف الكذب، وكان عنيدًا يهابه الأطفال في سنه، ومن هم أكبر منه سناً"، هكذا يقول عمه نائل ويضيف: "كان يحب الأولاد من جيله كثيرًا، ويحب أن يلعب معهم بشكل دائم، وكنت وعدته وهو في الصف الخامس أن آخذه معي إلى مصر، إذا نجح في دراسته، ولكن ليس له نصيب، فقد رسب في الصف الخامس، وهذا الرسوب غير كل حياته، فصار يقول لأمه: أنا أريد أن أقرأ، وأنا بدي أصير وأصير...إلخ ".
"إن محمدًا منذ ولادته كان "حِرِك " ونشيطًا ومختلفًا عن كل أخوته، وكان دائماً يحب الخروج واللعب مع أصدقائه، وكان يحب أكلات معينة ويطلبها ونحضرها له، وكان يحب المدرسة ويحب اللعب بالكرة، وكان عندما يعود من المدرسة يحب أن يركب على الدراجة، بل كان يتشاجر أحياناً هو وأخوه الكبير من أجل ركوب الدراجة، وكان أبوه يخاف عليه كثيرًا، ولا يحب أن يخرج بالدراجة بحكم أن بيتنا في المخيم على الطريق الرئيسي، وكان إذا منعه أبوه من الخروج، يخرج الدراجة من الشباك، ثم يخرج هو من نفس النافذة ليلعب في الشارع" هكذا تحدثت والدته عنه.
كانت أمنيته الشهادة
تقول والدته: "سبحان الله، كل حياته كانت ذكرى، وكل حركات محمد لم تكن حركات ابن دنيا، فقد طلب الشهادة قبل سنة، أي أيام أحداث نفق القدس، وكان يقول: نفسي أموت شهيدًا، وهذه المرة وقبل استشهاده بثلاثة أيام قال لي: يا أمي؛ الذي يذهب عند نتساريم وعند المستوطنين ويموت يكون شهيدًا ؟!" تقول والدته: "لم أرد عليه ساعتها، خفت؛ لأن ابني من النوعيات الجريئة، نعم هو صغير ما زال في الصف الخامس، ولكنه في نظري شاب ورجل، ومن الممكن أنه يذهب هناك، فكنت أخاف عليه كثيرًا
الطفل الرجل!!
لقد كان كالرجال في تصرفاته" هكذا قالت جدته أم هشام، مستذكرة أنه صمم في يوم من الأيام على منعها من قطع شجرة في منزلها، وتولى المهمة بدلا عنها، فيما كان يستغل فترة الإجازة الصيفية في الذهاب مع أعمامه للعمل في ورشة لصناعة الألمونيوم.
وتضيف الجدة: "لقد كان شديد الطاعة رغم شقاوته، يحب المبادرة ويكره الأنانية؛ لذا كان محبوبًا من الجميع: الأهل، والأصدقاء، والجيران، إلا أن حب الله عز وجل فاق حب الجميع فاصطفاه عنده.. الله يرحمه".
بينما تقول جدته أم جمال: "إن الشهيد محمدا كان يمتلك حبًّا خاصًّا من الجميع؛ نظرًا لتعامله الحسن معهم، ربما لأنه كان يرغب في ترك ذكرى طيبة وحسنة له في نفوسهم!" وتضيف: "لقد كان متيقنًا من اقتراب انتهاء أجله، أصر على الذهاب مع والده إلى سوق السيارات في غزة وطلب بدلة جديدة بمناسبة زواج أحد أعمامه، إلا أنها كانت البدلة التي سيزف بها إلى الجنة".
وتضيف الجدة أم جمال: " كان مرحًا حتى اللحظات الأخيرة في حياته، يحب المزاح حتى عندما يتعلق الأمر بمصيره". وقد تمتع الشهيد محمد ورغم صغر سنه، بجرأة غير عادية.
الجريمة: القصة الكاملة والطريق إلى الجنة
ما كنت أتوقع أن يحدث لي ما حدث (وخنقته العبرة) لكن هذا ما قدر الله لي ولولدي" هكذا تحدث والده جمال حول الجريمة وكيف حدثت؟ وكيف استشهد محمد؟ واللحظات الأخيرة في حياة الشهيد، والوالد "جمال" ما زال يتلقى العلاج في مستشفى مدينة الحسين الطبية في الأردن، وقد بدا عليه الإعياء الشديد، ولم يصدق أنه ما زال حيًّا بعد غارة القصف الصهيوني، ومقتل نجله محمد وهو يحتضنه ويحاول أن يذود عنه الرصاص الإسرائيلي من كل صوب، ويقول جمال: "لقد كنت أحبه كثيرًا ولم أكن أتصور أن أفقده بهذه الطريقة المؤلمة"، ثم يضيف: "كنت خارجًا من أجل الذهاب إلى سوق السيارات في مدينة غزة لشراء سيارة، وآثرت هذه المرة أن أصطحب محمدًا - 12عاما - وركبنا سيارة إلى غزة غير أننا عندما وصلنا مفترق الشهداء قرب مستوطنة نتساريم كانت الاشتباكات على أشدها بين المتظاهرين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية، فأخبرني سائق السيارة أنه لا يستطيع عبور الطريق خشية أن تصيبه رصاصة طائشة، وطلب من الركاب النزول فنزلنا فقررت العودة إلى منزلي، فأمسكت بيد ابني وحاولت المرور إلى الجانب الآخر من الشارع، لكن في منتصفه انهالت علينا زخات من الرصاص من البرج العسكري الإسرائيلي، فجررت ابني بسرعة إلى برميل كان موجودًا على حافة الطريق، واختبأت وراءه، وضممت ابني مخافة أن يصيبه الرصاص، لكن يبدو أن الجندي الإسرائيلي الموجود في البرج وجد أننا صيد سهل، أخذ يرمينا بحمم من الرصاص حتى إنني أخذت أردد الشهادتين، وأخذ ابني محمد يصرخ من الخوف والفزع الذي أصابه؛ لأن الرصاصات أخذت تقترب منه شيئًا فشيئًا.. أخذت أصرخ على الجنود الإسرائيليين أن توقفوا، لكنهم استمروا ثم رفعت يدي عاليتين من أجل أن أريهم أني لا أشكل عليهم خطرًا، غير أن الجندي الإسرائيلي عاجلني برصاص في يدي اليمنى في ذلك الوقت اتصلت عبر الهاتف النقال الذي كان معي بأحد الصحفيين، وطلبت منه أن يعمل على إرسال سيارة إلى المكان الذي نحن فيه لإنقاذنا، غير أن سيارة الاسعاف لم تستطع الوصول إلينا؛ لأن الاشتباكات كانت على أشدها، كما أن الجنود الإسرائيليين لم يتوقفوا عن إطلاق الرصاص على سيارات الإسعاف، حاولت الانسحاب من المكان مرة أخرى غير أنني لم أفلح؛ لأنني كنت أعلم أنني إذا ما رفعت رأسي فإن رصاصة بانتظاري، كان الشبان ينظرون إلي وإلى ابني ويصرخون، غير أن الرصاصات ازدادت كثافة وسرعان ما تلقيت رصاصة أخرى في يدي الأخرى، ابني الذي كنت أعمل المستحيل من أجل إبقائه بعيدًا عن مرمى الرصاص أخذ يواسيني ويحاول أن يخفف عني؛ لأنني كنت أنزف، رغم أنه كان يبكي من شدة الخوف ومن أزيز الرصاص الذي لم يصمت للحظة".
الطفل الرجل!!
لقد كان كالرجال في تصرفاته" هكذا قالت جدته أم هشام، مستذكرة أنه صمم في يوم من الأيام على منعها من قطع شجرة في منزلها، وتولى المهمة بدلا عنها، فيما كان يستغل فترة الإجازة الصيفية في الذهاب مع أعمامه للعمل في ورشة لصناعة الألمونيوم.
وتضيف الجدة: "لقد كان شديد الطاعة رغم شقاوته، يحب المبادرة ويكره الأنانية؛ لذا كان محبوبًا من الجميع: الأهل، والأصدقاء، والجيران، إلا أن حب الله عز وجل فاق حب الجميع فاصطفاه عنده.. الله يرحمه".
بينما تقول جدته أم جمال: "إن الشهيد محمدا كان يمتلك حبًّا خاصًّا من الجميع؛ نظرًا لتعامله الحسن معهم، ربما لأنه كان يرغب في ترك ذكرى طيبة وحسنة له في نفوسهم!" وتضيف: "لقد كان متيقنًا من اقتراب انتهاء أجله، أصر على الذهاب مع والده إلى سوق السيارات في غزة وطلب بدلة جديدة بمناسبة زواج أحد أعمامه، إلا أنها كانت البدلة التي سيزف بها إلى الجنة".
وتضيف الجدة أم جمال: " كان مرحًا حتى اللحظات الأخيرة في حياته، يحب المزاح حتى عندما يتعلق الأمر بمصيره". وقد تمتع الشهيد محمد ورغم صغر سنه، بجرأة غير عادية.
الجريمة: القصة الكاملة والطريق إلى الجنة
ما كنت أتوقع أن يحدث لي ما حدث (وخنقته العبرة) لكن هذا ما قدر الله لي ولولدي" هكذا تحدث والده جمال حول الجريمة وكيف حدثت؟ وكيف استشهد محمد؟ واللحظات الأخيرة في حياة الشهيد، والوالد "جمال" ما زال يتلقى العلاج في مستشفى مدينة الحسين الطبية في الأردن، وقد بدا عليه الإعياء الشديد، ولم يصدق أنه ما زال حيًّا بعد غارة القصف الصهيوني، ومقتل نجله محمد وهو يحتضنه ويحاول أن يذود عنه الرصاص الإسرائيلي من كل صوب، ويقول جمال: "لقد كنت أحبه كثيرًا ولم أكن أتصور أن أفقده بهذه الطريقة المؤلمة"، ثم يضيف: "كنت خارجًا من أجل الذهاب إلى سوق السيارات في مدينة غزة لشراء سيارة، وآثرت هذه المرة أن أصطحب محمدًا - 12عاما - وركبنا سيارة إلى غزة غير أننا عندما وصلنا مفترق الشهداء قرب مستوطنة نتساريم كانت الاشتباكات على أشدها بين المتظاهرين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية، فأخبرني سائق السيارة أنه لا يستطيع عبور الطريق خشية أن تصيبه رصاصة طائشة، وطلب من الركاب النزول فنزلنا فقررت العودة إلى منزلي، فأمسكت بيد ابني وحاولت المرور إلى الجانب الآخر من الشارع، لكن في منتصفه انهالت علينا زخات من الرصاص من البرج العسكري الإسرائيلي، فجررت ابني بسرعة إلى برميل كان موجودًا على حافة الطريق، واختبأت وراءه، وضممت ابني مخافة أن يصيبه الرصاص، لكن يبدو أن الجندي الإسرائيلي الموجود في البرج وجد أننا صيد سهل، أخذ يرمينا بحمم من الرصاص حتى إنني أخذت أردد الشهادتين، وأخذ ابني محمد يصرخ من الخوف والفزع الذي أصابه؛ لأن الرصاصات أخذت تقترب منه شيئًا فشيئًا.. أخذت أصرخ على الجنود الإسرائيليين أن توقفوا، لكنهم استمروا ثم رفعت يدي عاليتين من أجل أن أريهم أني لا أشكل عليهم خطرًا، غير أن الجندي الإسرائيلي عاجلني برصاص في يدي اليمنى في ذلك الوقت اتصلت عبر الهاتف النقال الذي كان معي بأحد الصحفيين، وطلبت منه أن يعمل على إرسال سيارة إلى المكان الذي نحن فيه لإنقاذنا، غير أن سيارة الاسعاف لم تستطع الوصول إلينا؛ لأن الاشتباكات كانت على أشدها، كما أن الجنود الإسرائيليين لم يتوقفوا عن إطلاق الرصاص على سيارات الإسعاف، حاولت الانسحاب من المكان مرة أخرى غير أنني لم أفلح؛ لأنني كنت أعلم أنني إذا ما رفعت رأسي فإن رصاصة بانتظاري، كان الشبان ينظرون إلي وإلى ابني ويصرخون، غير أن الرصاصات ازدادت كثافة وسرعان ما تلقيت رصاصة أخرى في يدي الأخرى، ابني الذي كنت أعمل المستحيل من أجل إبقائه بعيدًا عن مرمى الرصاص أخذ يواسيني ويحاول أن يخفف عني؛ لأنني كنت أنزف، رغم أنه كان يبكي من شدة الخوف ومن أزيز الرصاص الذي لم يصمت للحظة".