قال تعالى :
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا
(سورة الطلاق)
ربنا عز وجل اختار من بين أسمائه كلها اسمين العليم والقدير لأن الإنسان لن يستقيم على أمر الله إلا إذا أيقن أن علم الله يطوله وأن قدرته تطوله ، واسم العليم مهم جداً في طريق الإيمان ، لأنك إذا أيقنت أن الله يعلم ظواهر الأمور وبواطنها ، يعلم سرك وجهرك يراك في خلوتك وفي جلوتك في حضرك وفي سفرك ، يعلم نواياك كلها ، يعلم ما يدور في خلدك ، ما يجري في نفسك ، ما تتمناه ما تصبو إليه ما تشتهيه إذا أيقنت أن الله يعلم لزمت جانب الاستقامة .
من تعاريف العلم أن تكون هناك علاقةٌ ثابتةٌ بين شيئين ، مقطوع بصحتهما عليها دليل ، مطابقة للواقع ، لكن علم الله عز وجل يختلف اختلافاً كلياً عن علم البشر , فعلم الانسان مستنبط من الوجود من القواعد التي قعدها الله ، من القوانين التي قننها الله ، من السنن التي سنها الله ، من الخصائص التي خص الله بها الأشياء ، علم البشر مكتَسَب ، مكتسب من الوجود من قوانينه من قواعده من سننه من علاقاته الثابتة ، من خصائص الأشياء ، لكن علم الله هو الذي قنن القوانين ، هو الذي خصص الأشياء بخواصها ، هو الذي سنن السنن ، ففرق كبير بين أن تكتشف علاقةً ثابتة في شيء موجود وبين أن تخلف هذه العلاقة ، بين أن توجدها من العدم بين أن توجدها من قبل أن تكن موجودة ، هذا الفرق ...! فعلم البشر لاحِقٌ للوجود ، كسبي، وعلم خالق البشر سابِق للوجود وسببي .
العلم هو سبب وجود الأشياء ، تعلَّق علمه وتعلقت إرادته ، وتعلقت قدرته بهذا الشيء فكان ، إذاً علمه سبق هذا الشيء ، بل أن علمه سبب لوجود هذا الشيء ، بينما علم البشر لاحق للوجود .
العالم والعلام والأعلم والمعلم ، كل هذه الأسماء مع أنها وردت في القرآن الكريم إلا إنها لم ترد في أسماء الله الحسنى ، لم يرد في أسماء الله الحسنى إلا العليم ، والعليم صيغة مبالغة تفيد المبالغة في العدد وفي النوع ,فإذا قلت إن الله عّلام الغيوب يعني كل الغيوب يعلمها ، الله عز وجل مطلق يعلم كل غيب ، يعلم مصير كل إنسان ، وما تسقط من ورقة إلا هو يعلمها .
إذا كنت لا تعلم أن الله يراك فهذا ضعف في الإيمان كبير ، وإذا كنت تعلم أن الله يراك فهذه حجة واهية عذر أقبح من ذنب ، إذا علمت أن الله يراك لِمَ جعلت الله عز وجل أهونَ الناظرين إليك .
قال الله تعالى :
يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا
(سورة النساء)
قال تعالى :
وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ
( سورة فاطر )
الشكور مبالغة من شكر ، ودائماً أسماء المبالغة إذا اقترنت بأسماء الله الحسنى فتعني إما عدد الشُكر أو حجم الشُكر .
معنى " الشكور " ، أنه يعطي الشيء الذي لا نهاية له ، الذي لا حدود له كما قال ربنا في الحديث القدسي : " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر " فالشكور الذي إذا نَوَّل أجزل ، وإذا أطيع بالقليل قبل وهو الذي يقبل القليل ويعطي الجزيل ، وهو الذي يقبل اليسير من الطاعات ويعطي الكثير من الدرجات.
قال تعالى :
وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا
(سورة الإنسان)
الله سمى ما أعد لك في الجنة ملكاً كبيراً ، هذا معنى "الشكور" يعني شيء لا يُقدّر بثمن، مقابل شيءٍ قليل جداً قدمته نلت به شيئاً كثيراً .
والمعنى الآخر لكلمة " شكور " هو المعنى العددي ، يعني لا يمكن أن تقدم شيئاً لله عز وجل إلا ويشكرك عليه .
قال تعالى:
مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا
(سورة النساء)
فهو يعلم أي عمل مهما بدا صغيراً ، لو أنقذت فراشةً , لو رحمت إنساناً ، لو أمّنت إنساناً خائفاً ، أو هدأت من روع إنسان خائف ، لو طمأنت إنساناً ، لو أطعمت إنساناً جائعاً ، كل شيءٍ محفوظ عِنَدَ الله ، فكلمة " شكور " إما لحجم " الشُكر " وإما لعدد مرات الشُكر ، وهي مبالغة اسم فاعل .
فإن الشُكر يكون بالثناء بالثناء ، فالربّ سبحانه وتعالى إذا أثنى على عبده فقد شكره ، أنت تثني على الله في مجالسك والناس يحبونك يحبونك لأحاديثك هذه ويمدحونك في غيبتك ، هذا شُكر الله لك ، إذا أحسنت للعباد يُحسن الله إليك .
قال تعالى :
هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ
(سورة الرحمن)
والإمام الغزالي له كلمة ، قال : " إذا كان الذي أخذ فأثنى شكوراً فالذي أعطى وأثنى أولى أن يكون شكوراً ".
وفي البخاري: يقول الله عز وجل: "من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم "
الشكر يتوجه لمن ؟ إما إلى الخالق وإما إلى المخلوق ، ومن ثم فشكر الخالق مستحيل ، أي أنك يستحيل عليه أن توفيه بشكرك له ، لماذا ؟ قالوا : لأن شُكر النعمة مشروط بمعرفة هذه النعمة ، وما دامت معرفة النعمة مستحيلة فالشُكر مستحيل ، والدليل:
قال تعالى:
وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ
(سورة النحل)
ما دام يستحيل عليك أن تعرف نعمة الله كما هي إذاً يستحيل أن تشكر الله حق الشُكر ، لهذا ماذا قال النبي : سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك