في بحر الحياة ..
أنت الربان و القائد ..
و السفينة
هل يحتاج الأمر إلى كثير إثبات
كي أؤكد لك أن جميع الناجحين في هذه الحياة
قد تحملوا مسؤلية حياتهم كاملة ،
ولم يقفوا لثانية واحدة كي يلوموا شخصا ما
على الأشياء السيئة التي علمهم إياها ،
أو الأبواب الرحبة التي أغلقها دونهم ،
أو العقبات المميتة التي ألقاها في طريقهم ..!؟
ما أسهل أن نقف لنشكوا جرم الآخرين في حقنا ،
ما أبسط أن ندلل على عظيم ما جنت يد آبائنا ،
وكيف أنهم لم يعلمونا مبادئ النجاح والطموح
فضلا عن ممارساتهم التربوية الخاطئة في حقنا .
وما أيسر أن نلقي بجميع مشاكلنا و همومنا على هذا أو ذاك .
متخففين من مسؤلية مواجهة الحياة و تحمل أعبائها .
لقد علمتني التجارب يا صديقي
أن الحياة بحر مضطرب الأمواج ،
وكل واحد منا ربان على سفينة حياته ،
يوجهها ذات اليمين وذات الشمال ،
و أمر وصوله إلى بر الأمان
مرهون بمهاراته وقدراته بعد توفيق الله و فضله .
لكن معظمنا ـ للأسف ـ لديه شماعة من التبريرات الجاهزة ،
فما أن يصاب بكبوة أو مشكلة ،
إلا و يعلقها على هذه الشماعة
ويتنصل من مسؤلية تحمل نتيجة أفعاله ! .
تربيتنا السيئة،
مجتمعنا السلبي،
التعليم الفاشل،
الظروف الصعبة،
تفشي الفساد .
هذه بعض الشماعات التي كثيرا ما نستخدمها وبشكل شبه دائم .
ودعني أصارحك
بأنك إذا ما أحببت أن تقبل تحدي الحياة ،
وتكون ندا لها
أن تتخلى و فورا
عن كل التبريرات التي تعلق عليها مشاكلك وإخفاقاتك ،
وتقرر أن تتحمل نتيجة حياتك بكل ثقة وشجاعة .
هل سمعت عن معادلة النتائج الحياتية ؟
، إنها تخبرك أن نتائج حياتك
هي حاصل جمع ما يحدث لك مضافا عليه استجابتك لما يحدث ،
أو هي بمعنى آخر :
( موقف + رد فعل = نتيجة )
نجاحات الناجحين قد جرت في حدود هذه المعادلة ،
وفشل الفاشلين جرى وفق هذه المعادلة كذلك ..!
إنهم جميعا تعرضوا لمواقف أو أحداث ما ،
ثم تصرف كل منهم وفق ما يرى ويؤمن ،
فافرز هذا السلوك أو ( رد الفعل ) النتيجة التي نشاهدها اليوم .
فالشخص الفاشل أو السلبي
توقف عند (الموقف) ثم أخذ في الشكوى والتبرير ،
فالمدير لا يفهم ، والوضع الاقتصادي متدهور ،
كما أن التعليم لم يؤهلنا بالشكل المناسب ،
و فوق هذا تربيتي متواضعة ،
وبيئتي سيئة ،
والدولة يتحكم فيها اللصوص ..
و هكذا .
هذا بالرغم من أن هناك ناجحين كثر
انطلقوا من نفس هذه الظروف ،
ومن بين ثنايا هذه البيئة ،
و ربما كان حالهم اشد و أقسى ممن يشتكي و يولول .
لكننا لو نظرنا للشخص الناجح الايجابي ،
لوجدناه يعطي تركيزا أكبر و اهم
لمساحة الاستجابة لرد الفعل .
فهو يرى أن ما حدث قد حدث و لا يمكن تغييره ،
يقول لك حال المشكلات :
دعنا الآن ننظر فيما يجب علينا فعله ،
وكيف يمكننا استثمار هذا الحدث
ـ مهما كان ـ
في تحقيق أعلى نتيجة
أو أقل خسائر ممكنة .
قد يحتاج الأمر إلى أن يستشير شخص ما ،
او يغير من تفكيره ،
وقد يستلزم الموقف أن يراجع بعض سلوكياته ،
أو يعدل في رؤيته .
إنه يمتلك مرونة كبيره ، وعزيمة ماضية ،
وذهن مبرمج على إيجاد الحلول، بل و صناعتها .
سأكون صريح معك يا صديقي
واقول أننا نستسهل الركون إلى الدائرة الأولى
(الموقف)
لأنها اسهل من الناحية النظرية ،
فليس هناك أيسر من الشكوى ،
ليس هناك أبسط من أن نسلط شعاع النقد على الخارج،
وندعي بأن الداخل كله خير ،
ومشاكلنا فقط تأتينا من الآخرين السيئين القاسيين ،
وللإسف فإن معظم البشر مبدعون في اختراع المبررات
التي تبرئ ساحتهم من التقصير أو الفشل .
يزداد جنوح معظمنا إلى التبرير في وطننا العربي
بشكل أكبر من سواه نظرا لكثرة الظروف المحبطة ،
وتعدد أشكال القهر و الاحباط ،
مما أدى لنشوء ما اسماه المفكر د/عبدالكريم بكار
بـ ( أدبيات الطريق المسدود) ! ،
والتي تتمثل في الشكوى الدائبة من كل شيء ،
من خذلان الأصدقاء ،
ومن تآمر الأعداء ،
من ميراث الآباء والأجداد ،
ومن تصرفات الأبناء والأحفاد !! .
مما جعل بعضنا ليس فقط مبدع في التنصل من أفعاله ،
وإنما متفوق أيضا في إحباط وتثبيط من قرر التغيير والايجابية ،
وذلك بالتطوع بإخباره أن المجتمع لن يدعه ينجح ،
ولن يومنوا بما يقول ،
وأن زمان الطيبين قد ولى بلا رجعة .
رسولنا عليه الصلاة والسلام يعلمنا
أن إذا حدث ما لا نريده أن ننطلق إلى الأمام بإيجابية
ونتخلى عن عادة التحسر و التبرير
فيقول عليه الصلاة والسلام :
” لاتقل : لو أنِّي فعلتُ كذا لكان كذا،
ولكن قُل: قدَّر الله وما شاء فعل. فإن لو تفتح عمل الشيطان ” .
أختم معك يا صديقي هذه الفقرة بالتأكيد
على أن النجاح ليس مرهونا بتحسن وضع ما ،
وأن الفشل لم تكتبه عليك إرادة عليا ،
يقول الفيلسوف والشاعر الهندي (محمد إقبال):
المؤمن الضعيف هو الذي يحتجُّ بقضاء الله وقدره،
أما المؤمن القوي فهو يعتقد أنه قضاء الله الذي لا يُرد،
وقدره الذي لا يُدفع .
ولقد سئل أحد قُوَّاد الفُرس أحد المسلمين يوما في سخرية:
من أنتم؟
فقال له واثقا:
نحن قدر الله، ابتلاكم الله بنا،
فلو كنتم في سحابة لهبطتم إلينا أو لصعدنا إليكم.
نحن قدر الله .
وسؤالى .. لماذا لا تكون أنت قدر الله الذى لا يرد ..
وقضائه النافذ ..؟
لماذا ..؟