أحبائي في الله...لقاء جديد شاء الله جل في علاه أن يجمعنا فيه علي طاعته طلبا للعلم ومدارسة له من أجل اقامة هذا الدين في الأرض فلأجل هذا ابتعثنا الله..وكيف يقام الاسلام من غير أمة تحمله الي الناس نقيا واضحا كما أرسل به محمد صلي الله عليه وسلم؟؟..وكيف تكون الأمة المسئولة عن هذه المهمة العظمى..أمة ظالمة؟؟!
الواقع أيها الأحبة أن لله سبحانه وتعالي سنة الهية لا تتغير ولا تتخلف في الظلم والظالمين .. انه "قانون الظلم".
قال الله تعالي : "ذلك من أنباء القري نقصه عليك منها قائم وحصيد،وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شئ لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب،وكذلك أخذ ربك اذا أخذ القري وهي ظالمة ان أخذه أليم شديد".هود100ـ 102
المعني الشرعي للظلم:هو وضع الشئ في غير موضعه الشرعي..وأصله الجور ومجاوزة الحق قل أو كثر ذلك التجاوز. والظلم ضده العدل الذي هو اعطاء كل شئ حقه من المكانة أوالمنزلة أو الحكم أو العطاء.
خصائص الظلم
1) الظلم حرام لكل انسان ولو كان كافرا أو ظالما : قال شيخ الاسلام ابن تيمية:"ولهذا كان العدل أمرا واجبا في كل شئ،وعلي كل أحد والظلم محرما في كل شئ ولكل أحد فلا يحل ظلم أحد أصلا سواء كان مسلما أو كافرا أو كان ظالما،قال تعالي:"ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي"المائدة.
2)حق المظلوم لا يسقط بتوبة ظالمه فقط : ولكن برد المظلمة الي صاحبها فان لم يعوض في الدنيا فلا بد له من العوض في الآخرة وعندئذ ينبغي للظالم التائب أن يكثر من الحسنات حتي اذا استوفي المظلومون حقوقهم لم يبق مفلسا.
3)المظلوم مستجاب الدعوة وان كان كافراأوفاجرا : فقد جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري عن ابن عباس أن النبي صلي الله عليه وسلم قال لمعاذ حين بعثه الي اليمن: "..واتق دعوة المظلوم فانها ليس بينها وبين الله حجاب" ...هكذا أي مظلوم..!!وأي نوع من الظلم..!!هكذا هو الاسلام...وقد جاء في حديث أبي هريرة عند أحمد مرفوعا:"دعوة المظلوم مستجابة وان كان فاجرا ففجوره علي نفسه".
4) من عقاب الظالم تسليط ظالم عليه : فمن سنة الله تعالي في الظلم والظالمين أن يعاقب الأمة التي يتظالم أفرادها فيما بينهم بتولي حاكم ظالم عليهم عقابا لهم علي ظلمهم"وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون"الأنعام129 فهذا تهديد لكل ظالم ان لم يمتنع من ظلمه سلط الله عليه ظالما آخر وهذا القانون يدخل تحته كل الظلمة..زوجا كان أو تاجرا أو قائدا أو حاكما..وفي الحديث: "كما تكونوا يولي عليكم"
5) هلاك الأمم بظلمها : وهو خلاصة قانون الظلم الذي أقصده من موضوعي هذا..قال الله تعالي:"فقطع دابر القوم الذين ظلموا" وقال تعالي:"هل يهلك الا القوم الظالمون" وقال تعالي: "ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا" يونس13.. وكلمة "لما" ظرف يدل علي وقوع الهلاك لوقوع سببه وهو الظلم.
والظلم الذي تهلك به الأمم نوعان:
الأول : ظلم الأفراد لأنفسهم بالفسق والفجور والخروج عن طاعة الله والتظالم فيما بينهم.
والثاني : ظلم الحكام لهم علي نحو يهدر حقوقهم ويذهب بعزتهم ويعودهم علي حياة الذل والمهانة مما يجعل الأمة ضعيفة غير صالحة للبقاء فيسهل علي أعدائها الاستيلاء عليها واستعبادها فيكون هذا محقا لها وفناءا لشخصيتها فيصدق عليها قول الله تعالي: "وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين" الأنبياء11...وهي سنة دائمة في الأمم.. تختلف مواقيت هلاكها بسبب ظلمها باختلاف أحوالها وأحوال أعدائها ولكن الهلاك واقع لا محالة وهذا هو الأجل الذي أشار اليه قوله تعالي: " لكل أمة أجل،اذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" يونس49.
6)تبقي الدولة مع الكفر ولا تبقي مع الظلم !!! : قال شيخ الاسلام ابن تيميه رحمه الله تعالي:ان الله يقيم الدولة العادلة وان كانت كافرة ،ولا يقيم الظالمة وان كانت مسلمة.
وقال أيضا:"الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والاسلام".
* وقد قال المفسرون في معني قوله تعالي:"وما كان ربك ليهلك القري بظلم وأهلها مصلحون" ان المراد من الظلم في الآية الشرك فالله عز وجل لا يهلك أهل القري بمجرد كونهم مشركين اذا كانوا مصلحين في المعاملات فيما بينهم يعامل بعضهم بعضا علي الصلاح وعدم الفساد.
وقالوا أيضا:معني الآية:ان الله تعالي لم يكن ليهلكهم بالكفر وحده حتي ينضاف اليه الفساد كما أهلك قوم شعيب ببخس المكيال والميزان وكما أهلك قوم لوط لما شاعت فيهم الفاحشة ووقعوا في رذيلة اللواط...وهكذا..
7)من الظلم المهلك..المحاباة في تطبيق القانون : اذا أخذ الحاكم بمبدأ المحاباة في تطبيق العدل بين رعيته كان ذلك من الظلم الذي تباشره الدولة أوتعين علي وقوعه أو تسكت عنه فلا تمنعه.وعندما تصبح الدولة ظالمة فانتظر هلاكها وهذا ما حذر منه نبينا صلي الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها عندما سرقت امرأة مخزومية وقد أهم قريشا أمرها فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلي الله عليه وسلم؟فقالوا ومن يجترئ علي ذلك الا أسامة بن زيد حب رسول الله،فكلمه فيها فتلون وجه رسول الله صلي الله عليه وسلم وقال:"أتشفع في حد من حدود الله؟انما أهلك من قبلكم أنهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف تركوه واذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد،واني والذي نفسي بيده لوأن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها"
من آثار الظلم .. خراب البلاد: قال تعالي: "فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ان في ذلك لآية لقوم يعلمون"النمل52 ، فخراب بيوت المسلمين انما يحدث برفع البركة منها جزاءا وفاقا لظلم ساكنيها.
9)قد يتأخر عقاب الظالمين..فلا تتعجب...ولا تحزن!!: فمن أسمائه جل وعلا ..الحليم،فحلمه تعالي واسع يسع الناس جميعا،فلا يعجل عقوبتهم لظلمهم قال تعالي:"ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم الي أجل مسمي،فاذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون"النمل.
وسائل وقاية الأمة من عقوبة الظلم
أليس هذا من الظلم
أولا : الانكار علي الظالم: أخرج الترمذي في جامعه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال:"ياأيها الناس انكم تقرأون هذه الآية:"ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم"،واني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول:"ان الناس اذا رأوا الظالم فلم يأخذوا علي يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب منه".
وجاء في شرحه:أي اذا لم يمنعوه عن ظلمه مع القدرة علي منعه فان الله عز وجل سيصيب الكل بعقوبة منه اما في الدنيا أو في الآخرة أو في كليهما...الظالم لظلمه،والساكت لسكوته ورضاه.
ثانيا : عدم الاستكانة للظالم : ينبغي أن نربي أنفسنا وابناءنا علي رفض الظلم..أن نتعلم دروسا في العزة والاباء وأن نعلم أن هذه صفة أصيلة في المسلم،قال تعالي: "والذين اذا أصابهم البغي هم ينتصرون" الشوري39. وقد فسرها القرطبي بقوله: "أي اذا نالهم ظلم من ظالم لم يستسلموا لظلمه".
وفي صحيح البخاري ،قال ابراهيم النخعي:كانوا-أي الصحابة-"يكرهون أن يستذلوا،فاذا قدروا عفوا".
ثالثا : عدم الركون الي الذين ظلموا : وهذا من أنجع وسائل الوقاية من وقوع الظلم أو شيوعه وانتشاره وما يترتب علي ذلك من العقاب أو الهلاك بالأمة...قال الله تعالي:"ولا تركنوا الي الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون"هود 113والمقصود..لا تميلوا اليهم..ولو ميلا يسيرا..ولا تصاحبوهم ..ولا تجالسوهم.. ولا ترضوا عن باطلهم..لا تداهنوهم ولا تتملقوهم..لا تجالسوهم وتشاركوهم..لا تتشبهوا بهم..لا تقلدوهم..لا تتزيوا بأزيائهم..فاذا أخذتم منهم هذا الموقف فمما لاشك فيه أنهم سيعجزوا ويضعفوا عن ارتكاب الظلم.فما تجرأ ظالم علي ظلمه الا بأعوان له يعينوه علي ظلمه وبآخرين من أهل الحق من أمثالك أخي الحبيب سكتوا عنه...فاذا نزل العذاب بالظالم نزل بأعوانه أيضا لأنهم مثله...ظالمون،كما حصل لفرعون وأعوانه،قال تعالي:"ان فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين"القصص 8 .فالله تعالي جمعهم بوصف الخطيئة،ومن خطيئتهم:الظلم الذي كان يقترفه فرعون ويعاونه عليه هامان وجنودهما،فلما نزل العذاب بفرعون نزل بأعوانه،قال تعالي:"فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم وهو مليم"الذاريات40.وقال تعالي في آية أخري:"فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين".القصص40.فجعلهم الله تعالي جميعا ظالمين:فرعون وجنوده الذين عاونوه علي ظلمه..فأهلكهم جميعا.
خاتمة
عليكم يادعاة الاسلام..يامن تأخذون بأيدي الناس الي صراط العزيز الحميد...يامن تحملون راية الاسلام العظيم...بلا ترخص ولا تشدد..أقول: عليكم بالحذر..كل الحذر من الوقوع في معاني الركون الي الذين ظلموا،ولو بحسن نية،لأن حسن النية لا يقلب الخطأ صوابا ولا الحرام حلالا وان كان قد يرفع الاثم عن صاحب النية الحسنة بشروط معينة.وعلي هذا فلا يجوز لكم يا دعاة الاسلام مخالطة الظلمة ومجالستهم والظهور معهم أمام الناس من غير اعلان الانكار عليهم،مما يوحي للناس أنكم تداهنوهم وتؤيدوهم علي ظلمهم..وبالتالي ينفض الناس عن دعوتكم,فقد جبل الناس علي عدم قبول القول"ولو كان حقا"..ممن يخالفه عملا لاسيما في مداهنة الظالمين والركون اليهم .
فاحذروا يا دعاة الاسلام من هذه المزالق فالناس ناظرون اليكم..
يادعاة الاسلام .. بينوا للناس أن أمور الحياة تجري وفق سنن الله في تدافع الحق والباطل وفي الابتلاء..قولوا لهم أن الله تعالي لن يخرق من أجل عيونهم قوانين الحياة وسننها.فهم ليسوا بأحسن حالا ولا أكرم علي الله تعالي من رسول الله صلي الله عليه وسلم وصحابته الكرام وقد قص الله علينا ما لقوه من شدائد وأذي وما تحملوه في سبيل الله وما قدموه من تضحية وفداء حتي أتاهم نصر الله بازالة الطواغيت من الأرض.
يادعاة الاسلام .. قولوا للناس أن ازاحة الظالمين من الأرض لا يكون بمجرد تأففهم أو تضجرهم أو تحسرهم أو بتحججهم بأنهم مسلمون فلا بد أن يهلك الله تعالي الظالمين وهم في بيوتهم قاعدون يمنون علي الله باسلامهم!!..لا وألف لا...فالله يريد منكم بذلا وعطاءا وجهدا..ولكم في أصحاب رسول الله أسوة وقدوة حسنة...قولوا لمن يقول:أين عمر بن الخطاب؟؟وهل أنتم رعية عمر؟؟ان الرعية التي تريد عدل عمر عليها أن تكون رعية عادلة كرعية عمربن الخطاب لأن القاعدة:"كيفما تكونوا يولي عليكم".
وصلي الله وسلم وبارك علي سيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله وعلي آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمي