الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على
نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم
التسليم إن من المعلوم عند كل مسلم أن لله تعالى أن يقسم بما شاء من
مخلوقاته ،
وأنه لا يقسم إلا بعظيم ، وكلما تكرر القسم بشيء دل على أهميته ، ولو
تدبرنا
قوله تعالى (والفجر) آية 1 من سورة الفجر . ، وقوله عز وجل ( والليل إذا
يغشى
1* والنهار إذا تجلى2 )آية 1 ، 2 ، من سورة الليل وقوله سبحانه ( والضحى
1*
والليل إذا سجى ) ، من سورة الضحى .، لوجدنا أنها أجزاء الوقت . ثم تدبر
أيضاً
قوله تعالى : ( والعصر ) آية 1 من سورة العصر ،تدرك أنه أقسم بالزمان كله ،
وما
هذا إلا لأهميته ، وهذه الأهمية مصدرها أن الوقت هو الزمن الذي تقع فيه
الأعمال
، وهذه الأعمال ( خيرها وشرها ) هي التي يقدمها البشر لينالوا بها جزاء
الخالق
.
إذا عرفنا تبين لنا أهمية الوقت ، فهو في الحقيقة حياتنا على هذه الأرض
لكي
نقدم فيها ما يوصلنا إلى الغاية التي لأجلها خلقنا ، فالوقت هو الحياة .
و الوقت نعمة وأمانة يضيعها كثير من الناس ، يضيعونها على أنفسهم ، وعلى
أمتهم
، قال صلى الله عليه وسلم ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة
والفراغ)
. رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب ما جاء في الرقاق 11/229 ، ح (6412)
وللوقت
خاصية ، وهي إنه إذا ذهب لم يرجع ، وهذا يدفعنا لاستغلال كل لحظة منه ،
كان ابن
عمر رضي الله عنهما يقول : ( إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا
تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك ).رواه البخاري موقوفاً
في
الرقاق 2 باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ( كن في الدنيا كأنك غريب )
رقم
(6416) من مظاهر الفراغ :
إن من تراه يجول في الشوارع الساعات الطوال بلا هدف ، مضيع لوقته ، ومن
تراه
يجلس الساعات الطوال يرغب ما لا يعود عليه في دينه ولا في دنياه ، مضيع
لوقته ،
وكل من اشتغل بما لا يرضي الله فقد ضيع وقته .
التحسر على فوات الأوقات :
إذا تنبه العاقل ، وتذكر ما مضى من أيام عمره ، فإنه يندم على الساعات
التي
قضاها في اللهو والبطالة ، وأشد ساعات الندم حين يقبل المرء بصحيفة عمله ،
فيرى
فيها الخزي والعار ، قال تعالى : ( يومئذ يتذكر الإنسان وإنا له الذكرى
23،
يقول يا ليتني قدمت لحياتي 24).الآيتان 23 ، 24 من سورة الفجر . وقال
تعالى : (
أن تقول نفس يا حسرتي ما قطرت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين ).آية 56
من
سورة الزمر .
فالعاقل من ندم اليوم حيث ينفعه الندم ، واستقبل لحظات عمره ، فعمرها قبل
أن
يأتي اليوم الذي لا ينفع فيه الندم .
من أسباب تضييع الوقت :
1ـ عدم وضوح الغاية :
إن عدم وضوح الغاية ، أو عدم وجودها ، أو عدم التفكير فيها ، أو عدم
الانشغال
بها والسعي لأجلها هو أعظم سبب لضياع الأوقات .
فمن حدد هدفاً يسعى إليه ـ أياً كان الهدف ـ فإنه لن يضيع وقته ، فالطالب
الذي
يريد التفوق لا يكثر اللهو ، ومن يريد الزواج يسعى لتحصيله بأسبابه ، ومن
يريد
أن يكون تاجراً يسعى لتحصيل ذلك ، وهكذا فحري بمن غايته الوصول إلى الجنة
ونعميها أن يسعى جاداً لتحصيلها ، قال تعالى : (سابقوا إلى مغفرة من ربكم
وجنةٍ
عرضها كعرض السماء والأرض ).آية 21 من سورة الحديد .
وفي الحديث ( من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل ، ألا إن سلعة الله عالية
،
ألا إن سلعة الله الجنة ).رواه الترمذي ، كتاب صفة القيامة ، باب (18) ح
(2450)
وقال حديث حسن غريب ، ورواه الحاكم 4/307،308 ، وقال صحيح الإسناد ولم
يخرجاه .
وكل هدف نبيل يسعى المؤمن لتحصيله فيه إصلاح دينه ، أو دنياه ، أو أمته ،
إذا
أخلص فيه النية ووافق فيه الطريقة الشرعية فإنه طريق لتحصيل تلك الغاية .
2ـ مرافقة الزملاء غير الجادين الذي يضيعون الأوقات سدى ، ولا يستفيدون من
عمرهم وشبابهم .
3ـ الفراغ ، وعدم معرفة ما ينبغي أن يشغل به وقت .
4ـ كثرة الملهيات والمغريات فإذا انشغل بها المؤمن ضاع وقته وخسر عمره .
5ـ قلة الأعوان ـ من الأهل والأصحاب ـ على استغلال الوقت .
استغلال الوقت :
ينبغي العناية بالوقت وملئه بالعمل حتى لا يوجد فراغ ، فالفراغ داعٍ إلى
الفساد
، والنفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية .
إن الشباب والفراغ والجده مفسدة للمرء أي مفسدة
إن وضوح الهدف ، ومعرفة أهمية الوقت ، سبب لاستغلاله ، فعليك بترتيب وقتك
وتنظيمه واستغلاله بأن تجعل لك جدولاً يومياً وأسبوعياً وخلال الإجازات
لكي
تستغل وقتك على الوجه المطلوب .
وصور استغلال الوقت أكثر من أن تحضر ، ومنها المحافظة على الصلوات في
الجماعة ،
والتبكير إلى المسجد وذكر الله ، وقراءة القرآن وخدمة الوالدين ، وصلة
الأرحام
، والزيارات النافعة ، وعيادة المرضى ، والتعلّم والتعليم ، والدعوة إلى
الخير
، والتفكر في خلق الله ، والتفكير في مصالح نفسك ومصالح وطنك وأمتك ،
والعمل
النافع المنتج ، وكتابة البحوث ، وحضور حلق العلم والقرآن ، والاستماع لكل
نافع
ومفيد ، ومساعدة المحتاجين و، وغير ذلك كثير ، بل إن انشغالك بالمباح ،
ولو كان
نوماً أو اضطجاعاً بنية ترويح النفس لتستعيد نشاطها وتقوى على الطاعة ـ من
استغلال الوقت .
قال معاذ رضي الله عنه : أما أنا فأنام وأقوم ، فأحتسب نومتي كما أحتسب
قومتي .
رواه البخاري ، كتاب المغازي ، باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن 8/60
(ح4341 ،
4342 ،4344،4345) ومسلم كتاب الإمارة ، باب النهي عن طلب الإمارة والحرص
عليها
3/1456 برقم (1733) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : معناه أن يطلب الثواب في الراحة ،
كما
يطلبه في التعب ، لأن الراحة إذا قصد بها الإعانة على العبادة حصل بها
الثواب .أهـ.فتح
الباري 8/62 بتصرف يسير .
والمراد بقومته هنا : قيامه الليل وصلاته .
من صور الحرص على الاستفادة من
الوقت :
1- قال عبد الرحمن بن حاتم الرازي عن حاله مع أبيه ( أبو حاتم محمد بن
إدريس
الرازي ) : ربما كان يأكل فأقرأ عليه ، ويمشي وأقرأ عليه ، ويدخل الخلاء
وأقرأ
عليه ، ويدخل البيت لطلب شيء وأقرأ عليه سير أعلام النبلاء 13/251..
2- قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : كنا بمصر سبعة أشهر ، لم نأكل فيها مرقة ،
كل
نهارنا مقسم لمجالس الشيوخ ، وبالليل النسخ والمقابلة ، قال : فأتينا
يوماً أنا
ورفيق لي شيخاً ، فقالوا : هو عليل ، فرأينا في طريقنا سمكاً أعجبنا ،
فاشتريناه ، فلما صرنا إلى البيت حضر وقت مجلس ، فلم يمكنا إصلاحه ومضينا
إلى
المجلس ، فلم نزل حتى أتى عليه ثلاثة أيام وكان أن يتغير ، فأكلناه نيئاً ،
لم
يكن لنا فراغ أن نعطيه من يشويه ، ثم قال : لا يستطاع العلم براحة الجسد .
سير
أعلام النبلاء 13/266.
ومسك الختام الله أسال للجميع العلم النافع والعمل الصالح