اللغز
كل منا يحمل جثته على كتفيه
ليس هناك أغرب من الموت
إنه حادث غريب
أن يصبح الشيء لا شئ
ثياب الحداد .. و السرادق .. و الموسيقى .. و المباخر .. و الفراشون بملابسهم المسرحية : و نحن كأننا
نتفرج على رواية .. و لا نصدق و لا أحد يبدو عليه أنه يصدق.
حتى المشيعين الذين يسيرون خلف الميت لا يفكرون إلا في المشوار.
و أولاد الميت لا يفكرون إلا في الميراث.
و الحانوتية لا يفكرون إلا في حسابهم.
و المقرئون لا يفكرون إلا في أجورهم..
وكل واحد يبدو أنه قلق على وقته أو صحته أو فلوسه..
و كل واحد يتعجل شيئاً يخشى أن يفوته .. شيئاً ليس الموت أبداً.
إن عملية القلق على الموت بالرغم من كل هذا المسرح التأثيري هي مجرد قلق على الحياة..
لا أحد يبدو أنه يصدق أو يعبأ بالموت .. حتى الذي يحمل النعش على أكتافه.
الخشبة تغوص في لحم أكتافه .. و عقله سارح في اللحظة المقبلة و كيف يعيشها..
الموت لا يعني أحداً .. و إنما الحياة هي التي تعني الكل.
نكتة.. !
من الذي يموت إذاً ؟..
الميت؟.
و حتى هذا .. لا يدري مصيره..
إن الجنازة لا تساوي إلا مقدار الدقائق القليلة التي تعطل فيها المرور و هي تعبر الشارع..
ما الموت .. و ما حقيقته..
و لماذا يسقط الموت من حسابنا دائماً . حتى حينما نواجهه.
لأن الموت في حقيقته حياة.
و لأنه لا يحتوي على مفاجأة..
و لأن الموت يحدث في داخلنا في كل لحظة حتى و نحن أحياء..
كل نقطة لعاب .. و كل دمعة .. و كل قطرة عرق .. فيها خلايا ميتة .. نشيعها إلى الخارج دون احتفال
حتى الأفكار تولد و تورق و تزدهر في رؤوسنا ثم تذبل و تسقط .. حتى العواطف .. تشتعل و تتوهج
في قلوبنا ثم تبرد .. حتى الشخصية كلها تحطم شرنقتها مرة بعد أخرى .. و تتحول من شكل .. إلى شكل..
إننا معنوياً نموت و أدبياً نموت و مادياً نموت في كل لحظة.
و أصدق من هذا أن نقول أننا نعيش . مادياً نعيش و أدبياً نعيش و معنوياً نعيش .. لأنه لا فرق يذكر بين الموت و الحياة .. لأن الحياة هي عملية الموت.
لأن الأوراق التي تنبت من فروع الشجرة .. ثم تذبل و تموت و تسقط .. و ينبت غيرها .. و غيرها .. هذه العملية الدائبة هي الشجرة.. لأن الحاضر هو جثة الماضي في نفس الوقت.